تأخر المشي عند الأطفال: الأسباب والعلاج

تأخر المشي عند الأطفال: الأسباب والعلاج والتوجيهات

يعد تأخر المشي عند الأطفال من المواضيع التي تشغل بال العديد من الآباء والأمهات، حيث يمثل المشي أحد معالم النمو الرئيسية التي ينتظرها الجميع بفارغ الصبر. يتساءل الوالدان عن الوقت المناسب لبدء المشي، وعن الأسباب التي قد تؤدي إلى تأخره، وكيفية التعامل مع هذا الأمر بشكل علمي ومدروس.

1. النمو الطبيعي للمشي: مراحل تطور الطفل

من المعروف أن نمو الطفل يتبع تسلسلًا معينًا من المهارات الحركية تبدأ بالتطور من التحكم في الرقبة والرأس وصولًا إلى القدرة على المشي. في معظم الحالات، يبدأ الأطفال بالجلوس بمساعدة في عمر الستة أشهر تقريبًا، ثم يتبع ذلك الزحف أو التدحرج. في حوالي الشهر التاسع أو العاشر، يبدأ الطفل في محاولة الوقوف بمساعدة والدته أو بمساندة الأثاث من حوله.

عادة ما يكون المشي أول ما يظهر عند الطفل في عمر يتراوح بين 12 و18 شهرًا. ولكن يجب أن نعلم أن هذه المدة قد تتفاوت من طفل لآخر. ففي بعض الحالات، قد يبدأ الطفل في المشي في وقت أبكر أو في وقت متأخر عن المعدل المعتاد، مما قد يثير القلق لدى الوالدين.

2. متى يمكن اعتبار تأخر المشي أمرًا طبيعيًا؟

من المهم أن نتذكر أن كل طفل يتطور وفقًا لسرعته الخاصة. فبعض الأطفال قد لا يبدأون المشي حتى عمر 18 أو 24 شهرًا، ويعتبر هذا ضمن النطاق الطبيعي ما لم يكن هناك تأخر ملحوظ في مراحل التطور الأخرى، مثل التأخر في الزحف أو الجلوس أو التفاعل الاجتماعي.

تشير الدراسات إلى أن بعض الأطفال الذين يبدؤون المشي في وقت متأخر قد يكونون أكثر تميزًا في المهارات الحركية المتقدمة في وقت لاحق. لذلك، يجب أن يتم النظر إلى التأخر في المشي ضمن السياق العام للتطور الحركي والاجتماعي للطفل.

3. أسباب تأخر المشي عند الأطفال

تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى تأخر المشي عند الأطفال، بعضها يكون طبيعيًا ولا يحتاج إلى تدخل طبي، بينما قد تكون الأسباب الأخرى نتيجة لمشكلات طبية تتطلب استشارة مختص. فيما يلي بعض الأسباب الشائعة:

أ. الأسباب الطبيعية:

1. الوراثة: قد يكون السبب في تأخر المشي عند الأطفال موروثًا من أحد الوالدين أو الأقارب. بعض الأطفال يتأخرون في المشي ببساطة لأن لديهم تاريخًا عائليًا مشابهًا.

2. نمو العضلات والمفاصل: الأطفال الذين يعانون من توتر عضلي منخفض أو مرتفع قد يواجهون صعوبة أكبر في التوازن والوقوف والمشي. يمكن أن يؤثر ذلك على القدرة على التحكم في الحركة وبالتالي تأخر المشي.

3. التطور العقلي والاجتماعي: بعض الأطفال قد لا يظهرون دافعًا كافيًا للمشي حتى يجدوا حافزًا لذلك. كما أن الأطفال الذين يقضون وقتًا أطول في الزحف أو في الجلوس قد يبدؤون المشي في وقت لاحق لأنهم لا يشعرون بالحاجة الملحة لتحريك أنفسهم.

ب. الأسباب الطبية:

1. المشاكل العصبية: مثل الأطفال الذين يعانون من تأخر في تطور الجهاز العصبي أو الذين لديهم اضطرابات في الدماغ قد يواجهون صعوبة في الوصول إلى مراحل متقدمة من النمو الحركي، مثل المشي.

2. العيوب الخلقية في الأطراف السفلية: مثل التشوهات الخلقية في المفاصل أو العظام، مثل عيب في الورك أو الركبة، يمكن أن تؤدي إلى تأخر المشي بسبب الألم أو قلة القدرة على تحريك الأطراف بشكل صحيح.

3. التأخر في تطور العضلات: بعض الأطفال قد يعانون من ضعف في العضلات أو ما يُعرف بالـ “hypotonia” (التوتر العضلي المنخفض)، مما يجعل من الصعب عليهم الوقوف والمشي.

4. المشاكل في النمو الهيكلي: بعض الأطفال قد يولدون بعيوب في الهيكل العظمي أو المفاصل مما يؤثر في قدرتهم على المشي في الوقت المتوقع.

ج. العوامل البيئية والنمطية:

1. قلة الفرص للتمرين: الأطفال الذين لا يتم تشجيعهم على الزحف أو التحرك بحرية قد يتأخرون في المشي. يجب أن يتم توفير بيئة آمنة تسمح للطفل بالحركة والتفاعل مع محيطه لتطوير مهاراته الحركية.

2. العوامل الثقافية أو التربوية: في بعض الثقافات، قد يكون هناك تفاعل محدود مع الأطفال في سن مبكرة لتشجيعهم على المشي، أو قد يتم تحفيزهم بشكل أقل مما يؤدي إلى تأخر المهارات الحركية.

4. مؤشرات تدل على ضرورة استشارة الطبيب

رغم أن تأخر المشي في بعض الأحيان يكون طبيعيًا، إلا أن هناك علامات قد تشير إلى أن الطفل قد يحتاج إلى استشارة طبية. من بين هذه العلامات:

1. عدم الزحف أو الجلوس عند بلوغ 12 شهرًا.

2. الطفل لا يحاول الوقوف بمساعدة الأثاث في عمر 12-14 شهرًا.

3. فقدان المهارات الحركية التي تم اكتسابها مسبقًا.

4. تأخر في نمو المهارات الحركية الأخرى مثل الجلوس أو حمل الأغراض.

5. صعوبة في التوازن أو التنسيق الحركي عند الوقوف.

5. كيفية مساعدة الطفل على تحسين قدراته الحركية

هناك العديد من الطرق التي يمكن أن تساعد الطفل في تحسين قدراته الحركية وتسريع عملية المشي. من هذه الطرق:

أ. التدريبات المساعدة:

1. تشجيع الزحف: من خلال السماح للطفل بالزحف على الأرض بشكل منتظم، فهذا يساعده على تقوية عضلاته ويشجعه على التحرك.

2. التوازن والوقوف: يمكن للآباء مساعدة أطفالهم على الوقوف بمساعدة الأثاث أو باستخدام أدوات مثل الحوامل القابلة للثني أو الحواجز التي تسمح للأطفال بالتمسك بها.

3. استخدام الألعاب التي تحفز الحركة: الألعاب التي تشجع الطفل على المشي مثل العربات الداعمة أو الألعاب التي تدور وتتحرك.

ب. الدعم النفسي والتحفيز:

1. التحفيز بالجوائز والمكافآت: يمكن تقديم مكافآت صغيرة أو التشجيع اللفظي لتشجيع الطفل على اتخاذ خطواته الأولى.

2. التفاعل مع الطفل: التحدث إلى الطفل وتشجيعه على الحركة وتقديم الدعم العاطفي يمكن أن يسهم في تعزيز ثقته بنفسه وحفزه على المشي.

ج. تقديم البيئة المحفزة:

1. توفير مساحة آمنة للمشي: التأكد من أن المكان الذي يتحرك فيه الطفل خالي من العوائق الخطرة ويشجع على التنقل بسهولة.

2. تنظيم الأنشطة الحركية: من خلال الأنشطة اليومية مثل اللعب بالخارج، والمشي مع الطفل في الأماكن المفتوحة، يمكن تحفيز الطفل على أن يصبح أكثر استقلالية في حركته.

6. التوجه الطبي والعلاج

إذا كان هناك تأخر ملحوظ في مشي الطفل وكان مصحوبًا بأعراض أخرى غير طبيعية مثل التشنجات أو التقلصات العضلية أو فقدان السيطرة على الحركات، يجب زيارة الطبيب فورًا. قد يتطلب الأمر فحصًا دقيقًا للكشف عن أي اضطرابات طبية، وقد يتم علاج الطفل بطرق متنوعة مثل العلاج الطبيعي أو الاستشارة الطبية المتخصصة.

7. الخلاصة

تأخر المشي عند الأطفال ليس دائمًا مصدرًا للقلق، بل هو جزء من نمو الطفل الذي يختلف من فرد إلى آخر. بينما يمكن أن يكون التأخر ناتجًا عن أسباب طبيعية أو وراثية، إلا أن هناك أيضًا أسباب طبية تتطلب متابعة حثيثة من قبل الأطباء. من خلال الدعم المناسب، يمكن للأطفال تجاوز أي تحديات تواجههم في تطوير مهاراتهم الحركية.